الثلاثاء، 27 يناير 2015

فراشات ضالّة

قصة قصيرة بعنوان:           فراشات ضالّة.








كان يحلو لها أن تشعر بذراعيه وهما تحوطانها من الزحام..
تحوطانها ولا تلمسانها...
لكنها تشعر بهما..

بقربهما...وبعطره وأنفاسه وهي تنتشلها من الهواء
الذي أفسدته الأنفاس والأجساد المتعرقة
ودخان السجائر الرخيصة
التي تملئ الحافلة..

كانت تتنفس في دائرة اهتمامه وحمايته لها..
رغم الزحام في الحافلة..
الّا أنه كان يجد متعة في ذلك..
كانت يداه كالسور تحميها
من التعثر مع بقية الركاب..

لكنها كانت تشعر بالضعف والدوّار لشدّة الزحام
وقلّة الأكسجين..

بدأت الحافلة تنزل من ركابها
الى أن خلا مقعدان..

قال بهمس وصوت دافئ..

دوني: لنجلس هناك..ان وجهكي بدأ بالأصفرار...أخاف عليكي من الضغط

أحاطت ذراعه خلف ظهرها وأمسك يدها وأجلسها بجانب النافذة..
 نظرت هي الى النافذة..
 ثم ادارت وجهها لتراه..
 يبتسم لها شيئا فشيئا..

  
الى أن اختفى..
 أعادت التأمل بالنافذة..
الى أن نزلت دمعة عميقة..

هي: اشتقت اليك...

عاودت التأمل ...وهي تدندن..

هي: كالفراشات الضالّة...كنا معا ..
تطير كل واحدة منا حول الأخرى...
بكل حب واخلاص كانتا تحلقان حول الزهور..
كالفراشات الضالّة..
أضاعت فراشة..حبها حول الزهور..

     كل كلمة كانت تحمل في قلبها ثقل كبير...
فكانت تستطيع سماع صوته في أذنها وهو يغني لها تلك الأغنية..
تشعر بأنفاسه تحيط أنفاسها..

الى أن ترى خياله يبتعد عنها..

هي: كالفراشات الضالّة  أفترقنا...
وياليت تلك الأيام تعود يوما..
كم اتمنى أن أراه..
وكم أتمنى ان اجده هنا كمثل أول لقاء لنا..

كنا في الحافلة...وكعادتي أشعر بالدوار حين يكون هنالك زحام و روائح كريهة تخنق الأكسجين النقيّ...

وفجأة!.
شممت رائحة عطر...
لم يكن كأي عطر...
كان عطرا قد اخفى جميع تلك الروائح الكريهة
استدرت بعيون ناعسة..

لأراه ينظر لي ويبتسم
ايتسامة ملائكية..
جعلت عيناي تتسعان..
واتأمل به لوقت طويل..
رغم أنه لم يكن يتواجد مكان للجلوس..
الا انني شعرت بالراحة...عندما أحسست بيداه تحيطاني
لكي لا يلمسني أي رجل اخر..

ذهبت عند الجسر..
فرأيته ورائي..
ويقول بصوت دافئ..

دوني: هل انتي بخير؟
 انا: اوه! اجل..شكرا لك.
دوني: تفضلي قارورة مياه...ستساعدكي على تخطي الدوار
انا: هذا لطف منك.
دوني: هذا أقل ما يمكنني فعله مع فتاة جميلة مثلك

شعرت بالخجل حينها... أحمّرت وجنتاي خجلا
ونظرت له مبتسمة..
فلمعت عيناه أكثر و نظر لي نظرة طويلة

تمشينا حول الجسر...تأملنا البحر أسفل الجسر..
بدأنا بالكلام..
الى أن ودعتنا السماء المشرقة
و هللتنا بقدوم المغرب الى أن يكسو الظلام
كافّة المدينة..

انا: لقد تأخر الوقت...أظن انه يجب عليّ الذهاب قبل أن يغضب مني والداي..
دوني: ...اراكي غدا؟

شعرت بفرحة بقلبي..
انا: اجل.

وهكذا...كنا نتقابل كل يوم عند الجسر..
نضحك..ونتكلم..
الى أن تشددت العلاقة فيما بيننا..

ويوما ما...
جاء عندي دونغهي...

دوني: حضري نفسكي للغد..
 انا: لماذا؟
دوني: لأنني سآتي عندكم و أطلب يدكي من أهلكي لأخطبكي.
انا: ماذا؟! هل حقا ماتقول؟!
دوني: اجل..يكفينا حب..أريدخطبك لي لتبقي لي وحدي

شعرت حينها بسعادة غامرة...وعدت للمنزل وخبرت أمي..
شعرت أمي بالسعادة لسماعها الخبر...فرسمت ابتسامة فرح وتهليل على قلبها ووجهها
حضرت نفسي وأمي كلمت أبي..
لم تقل لي أمي ماذا قال ابي..
ولكنه قبل قدومه الى منزلنا..

جاء اليوم الموعود..دق دونغهي جرس الباب
فتحت له الباب وكان وسيما للغاية

دوني: تبدين جميلة.
      احمّرت وجنتاي
دوني: اممم. الن تدخليني؟! أم انني سأخطبكي على حافّة الباب؟!


انا: هههه تفضل .

عندها...قاطعنا مجيء أبي..

أبي: لا تتعب نفسك بالدخول...ليس لديك شيء لك من هنا...فلا تتعب نفسك و أدر ظهرك و غادر.

انا:  0_0
دوني: عذرا عمّي...لأكن..
ابي: كما قلت لك... أرنا عرض أكتافك وغادر...أبنتي ليست بضاعة حتى يأخذا شابّ طائش.

انا: ابي!
دوني: لن أغادر ألا وانا مخطوب منها.
ابي: لابد انك لم تفهم بعد...أبنتي لايليق بها عريس مثلك..يجب أن يكون له جاه ومال و أخلاق و..

دوني مقاطعا: قلت لك..جئت لأخطب ابنتك..وليس لأعود بلاشيء.
ابي: لديك علبة الشوكولا و الورد ...    
انا: ابي ارجوك...أحبذه..

عندها صفعني أبي صفعة قوية على وجهي...وقفت مندهشة...جاءت أمي وأخي الصغير.
 غضب دونغهي... وأمسك بيده قميص أبي وبدأ بتهديده والصراخ بوجهه

دوني: ايها الأخرق! أهذا ما تفعله بأبنتك! تضربها! مماتك على جثتي
أمي مقاطعة: أبتعدا!! لماذا تفعل بالولد هكذا؟! جاء للخطبة وقد وافقت
ابي: انزلني ايها الوقح!

ابتعد دونغهي...أخذت باقة الورد عن الأرض ودموعي تنهمر
دوني : ستندم!



غادر دونغهي..  والغضب بين عينيه...بقيت ابكي ودخلت غرفتي وبكيت من كل قلبي...
منعني أبي من الخروج الى البيت...ويوما ...جاء دونغهي الى منزلنا دون علم ابي        وأخبرني بالهرب معه..
قلت له أن يمهلني يومان للتفكير..
ولكن أبي قرر الانتقال الى عاصمة أخرى لكي
لايقترب مني دونغهي
كان ابي وللمرة الاولى يعذبني..

والان...وقد مر عام...
عدت الى تلك العاصمة...حيث قابلته..
بعد ممات والدي بأزمة قلبية..
عدت وعشت بمنزل وحدي
وانا الان راكبة ذات الحافلة التي تقابلنا بها
اتأمل النافذة...أشعر به بقربي
لكنني لايمكنني لمسه
لأنني لا ارى سوى خياله
لم اجد 
اصابني اكتئاب..

صرخ سائق الحافلة:  محطة بجانب الجسر...فالينزل من هي وجهته الجسر

 نزلت تلك الفتاة...بعد انهمار الدموع وتذكرها له وهي تتأمل نافذة الحافلة
توجهت نحو الجسر...تأملته...انهمرت دموعها..
صعدت اكثر..
وضعت يدها على قلبها
وهي ترى البحر أسفلها
حنت ركبتيها
وأوقعت جسدها على البحر
انتحار.

 
 هي ايضا...ضحية من ضحايا
الزمن وعذابه...كم يحمل الزمن مآسي
فليست وحدها ..بل هنالك كثير مثلها.

بعد مرور شهر ونصف.

ماهذا...من الذي يمرر أصبعه
ويداعب جبيني وحاجباي؟

هل مازلت حيّة؟!
أم أننّي ميتة وأتوهم ذلك؟!

 فتحت عيناها لترى.

   

دوني: قلت لكي... أنتي لي

النهاية. 



هناك 4 تعليقات: